الفيزياء
الفِيزِيَاءُ أو الفِيزِيقَا (من الإغريقية: φυσική)، وتُسَمّى أيضًا بـ الطَبِيعِيَّاتِ أو عِلْمِ الطَبِيعَةِ هو العلم الذي يدرس المفاهيم الأساسية مثل الطاقة، القوة،(1) والزمان، وكل ما ينبع من هذا، مثل الكتلة، المادة وحركتها.(2) وعلى نطاق أوسع، هو التحليل العام للطبيعة، والذي يهدف إلى فهم كيف يعمل الكون.
وتحاول الفيزياء أن تفهم الظواهر الطبيعية والقوى والحركة المؤثرة في سيرها، وصياغة المعرفة في قوانين لا تفسر العمليات السالفة فقط بل التنبؤ بمسيرة العمليات الطبيعية بنماذج تقترب رويدًا رويدًا من الواقع.
يعتبر علم الفيزياء من أحد أقدم التّخصصات الأكاديمية، فقد بدأت بالبزوغ منذ العصور الوسطى، وتميّزت كعلمٍ حديثٍ في القرن السابع عشر، وباعتبار أن أحد فروعها، وهو علم الفلك، يعد من أعرق العلومِ الكونيةِ على الإطلاقِ. خلال معظم الألفي سنةِ الماضيةِ، كانت الفيزياء (علم الطبيعة) والكيمياء وعلم الأحياء وبعض فروع الرياضيات، جزءً من الفلسفة الطبيعية، ولكن خلال الثورة العلمية في القرن السابع عشر ظهرت هذه العلوم الطبيعية كمساعي بحثية فريدة في حد ذاتها. تتقاطع الفيزياء مع العديد من مجالات البحث متعددة التخصصات، مثل الفيزياء الحيوية والكيمياء الكمومية، وحدود الفيزياء التي لم يتم تعريفها بشكل صارم. غالبًا ما تشرح الأفكار الجديدة في الفيزياء الآليات الأساسية التي تدرسها علوم أخرى وتقترح طرقًا جديدة للبحث في التخصصات الأكاديمية مثل الرياضيات والفلسفة.
تهتم الفيزياء في نفس الوقت بدقة القياس وابتكار طرق جديدة للقياس تزيد من دقتها؛ فهذا هو أساس التوصل إلى التفسير السليم للظواهر الطبيعية. وتقدم الفيزياء ما توصلت إليه من طرق القياس للاستخدام في جميع العلوم الطبيعية والحيوية الأخرى كالكيمياء والطب والهندسة والأحياء وغيرها. إن التقدم الحضاري والمدني يدين بشكل كبير للتقدم الباهر لعلم الفيزياء، فجميع الأجهزة التي تملأ حياتنا اليومية أساسها الفيزياء، مثل الرادار واللاسلكي والراديو والتلفزيون والهاتف المحمول والحاسوب وأجهزة التشخيص في الطب مثل أشعة إكس والتصوير بالرنين المغناطيسي والعلاج بالأشعة، والنظارات، والتلسكوبات ومسبارات المريخ والفضاء، وأفران الميكروويف، والكهرباء والترانزيستور والميكروفون، وغيرها.(3) بالإضافة إلى مفاهيم أخرى كالفضاء والزمن، ويتعامل مع خصائص كونية محسوسة يمكن قياسها مثل القوة والطاقة والكتلة والشحنة. وتعتمد الفيزياء المنهج التجريبي، أي أنها تحاول تفسير الظواهر الطبيعية والقوانين التي تحكم الكون عن طريق نظريات قابلة للاختبار.
وللفيزياء مكانة متميزة في الفكر الإنساني، وكما تأثرت بأفرع المعرفة الإنسانية الأخرى؛ فقد كان لها أيضا الأثر الحاسم في بعض الحقول المعرفية والعلمية الأخرى مثل الفلسفة والرياضيات وعلم الأحياء. ولقد تجسدت أغلب التّطورات التي أحدثتها بشكل عملي في عدّة قطاعات من التقنية والطب. فعلى سبيل المثال، أدى التّقدم في فهم الكهرومغناطيسية إلى الانتشار الواسع في استخدام الأجهزة الكهربائية مثل التلفاز والحاسوب، وكذلك تطبيقات الديناميكا الحرارية إلى التطور المذهل في مجال المحركات ووسائل النقل الحديثة، وميكانيكا الكم إلى اختراع معدات مثل المجهر الإلكتروني، كما كان لعصر الذرة -بجانب آثاره المدمرة- استعمالات هامة لتطويع الإشعاع في علاج السرطان وتشخيص الأمراض.
معظم الفيزيائيين اليوم هم عادة متخصصون في مجالين متكاملين وهما الفيزياء النظرية والفيزياء التجريبية، وتهتم الأولى بصياغة النظريات باعتماد نماذج رياضية، فيما تهتم الثانية بإجراء الاختبارات على تلك النظريات، بالإضافة إلى اكتشاف ظواهر طبيعية جديدة. وبالرغم من الكم الهائل من الاكتشافات المهمّة التي حققتها الفيزياء في القرون الأربعة الماضية، إلا أن العديد من المسائل لا تزال بدون جواب إلى حد الآن، كما أن هناك مجالات نظرية وتطبيقية تشهد نشاطًا وأبحاثًا مكثّفة.
أصل التسمية
كلمة فيزياء مأخودة من اللغة الإغريقية «φυσική فيزياء» وهي مكونة من كلمتين “ἐπιστήμη epistḗmē” وتعني «معرفة الطبيعة». في البداية تم تعريبها من الإغريقية إلى فيزيقا واستخدم عدد من العلماء العرب في فجر الإسلام هذا الاسم، كما استخدم بعضُهم لفظَ فيزياء سجعًا مع لفظ كيمياء. والآن لفظ فيزيقا لم يعد يستعمل وبقي لفظ فيزياء هو المستخدم، وقد تم تعريبه أيضاً من علم الطبيعة إلى طبيعياء، سجعاً مع لفظ فيزياء ولفظ كيمياء.
التاريخ
يتضح علم الفلك المصري القديم في آثار مثل سقف قبر سينيموت من الأسرة الثامنة عشرة لمصر.
علم الفلك هو واحد من أقدم العلوم الطبيعية. كانت الحضارات المبكرة التي يعود تاريخها إلى ما قبل 3000 سنة قبل الميلاد، مثل السومريين والمصريين القدماء وحضارة وادي السند، لديهم معرفة تنبؤية وفهم أساسي لحركات الشمس والقمر والنجوم. كانت النجوم والكواكب تعبد في كثير من الأحيان، ويعتقد أنها تمثل آلهة. في حين أن التفسيرات للمواقف المرصودة للنجوم كانت في كثير من الأحيان غير علمية وتفتقر إلى الأدلة، وضعت هذه الملاحظات المبكرة الأساس لعلم الفلك في وقت لاحق، حيث تم العثور على النجوم لاجتياز دوائر كبيرة عبر السماء، والتي لم تفسر مدارات الكواكب.
وفقًا لآسغر آبو، يمكن العثور على أصول علم الفلك الغربي في بلاد ما بين النهرين، وكل الجهود الغربية في العلوم الدقيقة تنحدر من علم الفلك البابلي المتأخر. ترك علماء الفلك المصريون آثارًا تُظهر معرفة الأبراج وحركات الأجرام السماوية، في حين كتب الشاعر اليوناني هوميروس العديد من الأجرام السماوية في كتابه «الإلياذة» و«الأوديسة»؛ في وقت لاحق قدم علماء الفلك اليوناني أسماء، والتي لا تزال تستخدم حتى اليوم، بالنسبة لمعظم الأبراج المرئية من نصف الكرة الشمالي.
الفلسفة الطبيعية
تعود أصول الفلسفة الطبيعية إلى اليونان خلال العصر القديم (650 قبل الميلاد – 480 قبل الميلاد)، عندما رفض فلاسفة ما قبل سقراط مثل تاليس تفسيرات غير طبيعية للظواهر الطبيعية وأعلنوا أن كل حدث له سبب طبيعي. اقترحوا أفكارًا تم التحقق منها عن طريق العقل والملاحظة، وأثبتت العديد من فرضياتها نجاحها في التجربة؛ على سبيل المثال، تم العثور على المذهب الذري الصحيح حوالي 2000 سنة بعد أن اقترحه ليوكيبوس وتلميذه ديموقريطوس.
الفيزياء في العصور الوسطى الأوروبية والعالم الإسلامي
سقطت الإمبراطورية الرومانية الغربية في القرن الخامس، مما أدى إلى انخفاض المساعي الفكرية في الجزء الغربي من أوروبا. على النقيض من ذلك، قاومت الإمبراطورية الرومانية الشرقية (المعروفة أيضًا باسم الإمبراطورية البيزنطية) هجمات البرابرة، واستمرت في تقدم مجالات التعليم المختلفة، بما في ذلك الفيزياء. في القرن السادس عشر، أنشأ إيزيدور ميليتوس مجموعة مهمة من أعمال أرخميدس التي تم نسخها من طرسية أرخميدس.
في القرن السادس عشر، تساءل جون فيلوبونوس، وهو عالم بيزنطي، عن تعاليم أرسطو للفيزياء وأشار إلى عيوبها. قدم نظرية الزخم. لم تفحص فيزياء أرسطو حتى ظهر جون فيلوبونوس، وعلى عكس أرسطو الذي بنى فيزياءه على الحجة اللفظية، اعتمد فيلوبونس على الملاحظة. في فيزياء أرسطو كتب جون فيلوبونوس:
«لكن هذا خاطئ تمامًا، وقد يتم دعم وجهة نظرنا من خلال الملاحظة الفعلية بشكل أكثر فعالية من أي نوع من الحجة الكلامية. فإذا تركت الأجسام تسقط من نفس الارتفاع حيث أحدهما أكثر وزنا من الآخر، فسترى أن نسبة المرات المطلوبة للحركة لا تعتمد على نسبة الأوزان، لكن الفرق في الوقت هو صغير جدا. وهكذا، إذا لم يكن الفرق في الأوزان كبيرًا، وهذا يعني أن أحدهما، نقول، ضاعف الآخر، لن يكون هناك فرق، وإلا سيكون هناك اختلاف غير محسوس، في الوقت المناسب، على الرغم من أن الفرق في الوزن لا يعني ذلك، مع وزن جسم واحد ضعف وزن الجسم الآخر.»
كان نقد جون فيلوبونوس لمبادئ الفيزياء الأرسطية بمثابة مصدر إلهام لغاليليو غاليلي بعد عشرة قرون،(4) خلال الثورة العلمية. استشهد غاليليو بفيلوبونوس بشكل كبير في أعماله عندما جادل بأن الفيزياء الأرسطية كانت معيبة. في القرن الثالث عشر الميلادي، طوّر جان بوريدان، وهو مدرس في كلية الآداب بجامعة باريس، مفهوم الزخم. لقد كانت خطوة نحو الأفكار الحديثة عن الجمود والزخم.
ورث علماء العصر الإسلامي الفيزياء الأرسطية من الإغريق وخلال العصر الذهبي الإسلامي طورتها أكثر، خاصة مع التركيز على الملاحظة والتفكير المسبق، وتطوير أشكال مبكرة من المنهج العلمي.
كانت أبرز الابتكارات في مجال البصريات والرؤية، والتي جاءت من أعمال العديد من العلماء مثل ابن سهل والكندي وابن الهيثم وكمال الدين الفارسي وابن سينا. كان العمل الأكثر بروزًا هو كتاب البصريات، الذي كتبه ابن الهيثم، والذي دحض فيه بشكل قاطع الفكرة اليونانية القديمة عن الرؤية، لكنه توصل أيضًا إلى نظرية جديدة. في الكتاب، قدم دراسة لظاهرة الكاميرا المظلمة (نسخة عمرها ألف سنة من الكاميرا ذات الثقب) وتعمق أكثر في الطريقة التي تعمل بها العين نفسها. باستخدام التشريح ومعرفة العلماء السابقين، تمكن من البدء في شرح كيف يدخل الضوء إلى العين. أكد أن أشعة الضوء مركّزة، لكن التفسير الفعلي لكيفية إضاءة الضوء المرتقب على الجزء الخلفي من العين كان ينتظر حتى عام 1604. وقد أوضحت أطروحته على ضوء الكاميرا المظلمة، قبل مئات السنين من التطور الحديث للتصوير الفوتوغرافي.
أثر كتاب البصريات المؤلف من سبعة مجلدات بشكل كبير على التفكير عبر تخصصات من نظرية الإدراك البصري إلى طبيعة المنظور في فن العصور الوسطى، في كل من الشرق والغرب، لأكثر من 600 عام. كان العديد من العلماء الأوروبيين في وقت لاحق وزملائه من الذين كانوا يمتلكون الموهبة الرياضية، من روبرت جروسيتيست وليوناردو دافنشي إلى رينيه ديكارت ويوهانز كيبلر وإسحاق نيوتن، في دَينهِ. في الواقع، فإن تأثير ابن الهيثم للبصريات يصنف إلى جانب تأثير نيوتن الذي يحمل نفس العنوان، والذي تم نشره بعد 700 عام.
كان لترجمة كتاب البصريات تأثير كبير على أوروبا. من ذلك، تمكن العلماء الأوروبيون لاحقًا من بناء أجهزة طورت بناء على الأجهزة التي أنشأها ابن الهيثم، وفهمت طريقة عمل الضوء. من هذا، تم تطوير أدوات مهمة مثل النظارات والعدسات المكبرة والتلسكوبات والكاميرات.
تاريخ الفيزياء الكلاسيكية
أصبحت الفيزياء علمًا منفصلاً عندما استخدم الأوروبيون الحديثون الأوائل الأساليب التجريبية والكمية لاكتشاف ما يُعتبر الآن قوانين الفيزياء.
تشمل التطورات الرئيسية في هذه الفترة الاستعاضة عن نموذج مركز الأرض للنظام الشمسي بنموذج كوبرنيكوس الشمسي، والقوانين التي تحكم حركة الهيئات الكوكبية التي حددها يوهانس كيبلر بين عامي 1609 و1619، والعمل الرائد في مجال التلسكوبات وعلم الفلك الرصدي بواسطة غاليليو غاليلي في القرنين السادس عشر والسابع عشر، واكتشاف إسحاق نيوتن وتوحيد قوانين الحركة والجاذبية العالمية التي ستحمل اسمه. طور نيوتن أيضا حساب التفاضل والتكامل، الدراسة الرياضية للتغيير، والتي قدمت أساليب رياضية جديدة لحل المسائل الفيزيائية.
نتج اكتشاف قوانين جديدة في الديناميكا الحرارية والكيمياء والكهرومغناطيسية عن جهود بحثية أكبر خلال الثورة الصناعية مع زيادة احتياجات الطاقة. تظل القوانين التي تضم الفيزياء الكلاسيكية مستخدمة على نطاق واسع جدًا للكائنات ذات المقاييس اليومية التي تنتقل بسرعات غير نسبية، نظرًا لأنها توفر تقريبًا وثيقًا للغاية في مثل هذه الحالات، كما أن النظريات مثل ميكانيكا الكم ونظرية النسبية تبسط إلى نظيراتها الكلاسيكية عند هذا الحد. ومع ذلك، أدت عدم الدقة في الميكانيكا الكلاسيكية للأجسام الصغيرة جدًا والسرعات العالية جدًا إلى تطور الفيزياء الحديثة في القرن العشرين.
تاريخ الفيزياء الحديثة
بدأت الفيزياء الحديثة في أوائل القرن العشرين بعمل ماكس بلانك في نظرية الكم ونظرية النسبية لألبرت أينشتاين. كل من هذه النظريات جاءت بسبب عدم الدقة في الميكانيكا الكلاسيكية في بعض الحالات. تنبأت الميكانيكا الكلاسيكية بسرعة متفاوتة من الضوء، والتي لا يمكن حلها بالسرعة الثابتة التي تتنبأ بها معادلات ماكسويل الكهرومغناطيسية؛ تم تصحيح هذا التناقض من خلال نظرية النسبية الخاصة لآينشتاين، والتي حلت محل الميكانيكا الكلاسيكية للأجسام سريعة الحركة والسماح لسرعة ثابتة من الضوء. قدمت إشعاعات الجسم الأسود مشكلة أخرى للفيزياء الكلاسيكية، والتي تم تصحيحها عندما اقترح بلانك أن إثارة مذبذبات المواد غير ممكن إلا في خطوات منفصلة تتناسب مع ترددها؛ هذا، إلى جانب التأثير الكهروضوئي ونظرية كاملة تتنبأ بمستويات الطاقة المنفصلة للمدارات الإلكترونية، أدى إلى نظرية ميكانيكا الكم التي تولت من الفيزياء الكلاسيكية بمقاييس صغيرة للغاية. سيأتي دور ميكانيكا الكم بواسطة فيرنر هايزنبرغ، إرفين شرودنغر وبول ديراك. من هذا العمل المبكر، والعمل في المجالات ذات الصلة، تم اشتقاق النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات. بعد اكتشاف جسيم له خصائص تتوافق مع بوزون هيجز في سيرن في عام 2012، يبدو أن جميع الجزيئات الأساسية التي تنبأ بها النموذج القياسي، وليس غيرها، موجودة؛ ومع ذلك، فإن الفيزياء خارج النموذج القياسي، مع نظريات مثل التناظر الفائق، هي مجال نشط للبحث. مجالات الرياضيات بشكل عام مهمة في هذا المجال، مثل دراسة الاحتمالات والمجموعات.
فلسفة الفيزياء
مؤتمر سولفاي لعام 1927، مع علماء الفيزياء البارزين مثل ألبرت أينشتاين، فيرنر هايزنبرغ، ماكس بلانك، هندريك لورنتز، نيلز بور، ماري كوري، إرفين شرودنغر وبول ديراك.
المقالة الرئيسة: فلسفة الفيزياء
في نواح كثيرة، تنبع الفيزياء من الفلسفة اليونانية القديمة. من محاولة طاليس الأولى لتوصيف المادة، إلى ديموقريطوس، وعلم الفلك البطلمي الخاص بمركزية الأرض، وكتاب فيزياء أرسطو (كتاب مبكر عن الفيزياء، والذي حاول تحليل وتحديد الحركة من وجهة نظر فلسفية)، قدم العديد من الفلاسفة اليونانيين نظرياتهم الخاصة للطبيعة. عرفت الفيزياء بالفلسفة الطبيعية حتى أواخر القرن الثامن عشر.
بحلول القرن التاسع عشر، أصبحت الفيزياء تخصصًا متميزًا عن الفلسفة والعلوم الأخرى. تعتمد الفيزياء، كما هو الحال مع بقية العلوم، على فلسفة العلوم و«طريقتها العلمية» لتعزيز معرفتنا بالعالم المادي. توظف الطريقة العلمية المنطق المسبق وكذلك المنطق الخلفي واستخدام الاستدلال البايزي لقياس صحة نظرية ما.
لقد أجاب تطور الفيزياء عن العديد من أسئلة الفلاسفة الأوائل، ولكنه أثار أيضًا أسئلة جديدة. تتضمن دراسة المسائل الفلسفية المحيطة بالفيزياء، وفلسفة الفيزياء، قضايا مثل طبيعة المكان والزمان، والحتمية، والتوقعات الميتافيزيقية مثل التجريبية، والواقعية.
كتب العديد من علماء الفيزياء عن الآثار الفلسفية لعملهم، على سبيل المثال لابلاس، الذي دافع عن الحتمية السببية، وإرفين شرودنغر، الذي كتب عن ميكانيكا الكم. كان الفيزيائي الرياضي روجر بنروز قد أطلق عليه ستيفن هوكينج، وهو رأي يناقشه بينروز في كتابه «الطريق إلى الواقع». أشار هوكينج إلى نفسه على أنه «مختزل لا يخجل» وأثار مشكلة بينروز.
المجالات الأساسية
المجالات الأساسية في الفيزياء
بينما تعمل الفيزياء على تفسير القوانين الطبيعة بوجه عام تفسر كل نظرية منها مجالا محصورا. فمثلا نجد أن قوانين الميكانيكا الكلاسيكية تصف بدقة أنظمة يكون حجمها أكبر من الذرة وتكون السرعات فيها أقل بكثير عن سرعة الضوء. أما خارج تلك الحدود فنجد أن المشاهدة لا تتطابق مع الحسابات.
وساهم ألبرت أينشتاين بصياغته النسبية الخاصة عام 1905 التي تبين عدم وجود مكان مطلقا أو زمن مطلق وربطت بين الاثنين فيما يسمى الزمكان للأنظمة التي تكون السرعات فيها قريبة من سرعة الضوء (300.000 كيلومتر في الثانية). ثم جاءت أعمال ماكس بلانك وإرفين شرودنغر، وفرنر هايزنبرج وأدخلت ميكانيكا الكم، وهي تصف احتمالات تفاعلات الجسيمات تحت الذرية واستطاعت أن تعطي وصفا دقيقا للطبيعة للذرة وطبيعة الجسيمات الأولية.
وبعد ذلك وحدت نظرية الحقل الكمومي بين ميكانيكا الكم ونظرية النسبية الخاصة. وتصف نظرية النسبية العامة (عام 1915) الحركة في زمكان منحني وهي تصف بدقة الأنظمة الكبيرة الكتلة على مستوي النجوم والمجرات في الكون.
ولم ينجح حتى الآن ربط نظرية النسبية العامة مع النظريات الأخرى، ولكن العلماء يعملون على هذا الطريق أي ربط النسبية العامة (وهي نظرية الأنظمة الكبيرة جدا) مع نظرية الكم (وهي النظرية التي تصف الأنظمة الذرية وتحت الذرية) وتوجد حاليا عدة نظريات مقترحة للجاذبية الكمومية ولكن الأمر لم يفصل بعد.
الفيزياء الكلاسيكية
يبين هذا الشكل تحلل الضوء المار خلال المنشور.
تشمل الفيزياء الكلاسيكية الفروع والمواضيع التقليدية التي تم الاعتراف بها وتطويرها جيدًا قبل بداية القرن العشرين (الميكانيكا الكلاسيكية، الصوتيات، البصريات، الديناميكا الحرارية، والكهرومغناطيسية). تهتم الميكانيكا الكلاسيكية بالأجسام التي تعمل بواسطة القوى والأجسام المتحركة ويمكن تقسيمها إلى الإستاتيكا (دراسة القوى على الجسم أو الهيئات التي لا تخضع لتسارع)، الكينماتيكا (دراسة الحركة دون النظر إلى أسبابها)، والديناميكا (دراسة الحركة والقوى التي تؤثر عليه)؛ يمكن أيضًا تقسيم الميكانيكا إلى ميكانيكا صلبة وميكانيكا الموائع (المعروفة معًا باسم ميكانيكا الاستمرارية)، وتشمل هذه الأخيرة فروعًا مثل الهيدروستاتيكا، وهيدروديناميكا الماء، والديناميكا الهوائية، وعلم النيوماتيك. الصوتيات هي دراسة كيفية إنتاج الصوت والتحكم فيه ونقله واستقباله. تشمل الفروع الحديثة المهمة للصوتيات الموجات فوق الصوتية ودراسة الموجات الصوتية عالية التردد التي تتجاوز نطاق السمع البشري؛ الصوتيات الحيوية، فيزياء المكالمات والسمع الحيوانية، والصوتيات الكهربائية، والتلاعب بالموجات الصوتية المسموعة باستخدام الإلكترونيات. علم البصريات، والذي يختص بدراسة الضوء، لا يتعلق فقط بالضوء المرئي ولكن أيضًا بالأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية، والتي تظهر جميع ظواهر الضوء المرئي باستثناء الرؤية، على سبيل المثال، الانعكاس، الانكسار، التداخل، الحيود، التشتت، واستقطاب الضوء. الحرارة هي شكل من أشكال الطاقة، الطاقة الداخلية التي تمتلكها الجزيئات التي تتكون منها المادة؛ الديناميكا الحرارية تتعامل مع العلاقات بين الحرارة وغيرها من أشكال الطاقة. تمت دراسة الكهرباء والمغناطيسية كفرع واحد للفيزياء منذ اكتشاف العلاقة الوطيدة بينهما في أوائل القرن التاسع عشر؛ ينتج عن التيار الكهربائي مجال مغناطيسي، ويحدث المجال المغناطيسي المتغير تيارًا كهربائيًا. تتعامل الإلكتروستاتيات مع الشحنات الكهربية أثناء السكون، والديناميكا الكهربائية ذات الشحنات المتحركة، والكهرباء المغناطيسية مع الأقطاب المغناطيسية الباقي.
الميكانيكا الكلاسيكية
صورة لبندول نيوتن وهو نظام يوضح مفهوما أساسيا في الميكانيكا الكلاسيكية يتمثل في مبدئ حفظ زخم الحركة والطاقة.
تصف الميكانيكا الكلاسيكية القوى التي تؤثر على حالة الأجسام المادية وحركتها. وغالبا ما يشار إليها باسم «المِيكانيكا النيُوتُنية» نسبة إلى إسحاق نيوتن وقوانينه في الحركة. تتفرع الميكانيكا الكلاسيكية إلى؛ علم السكون أو «الإستاتيكا» وهو يصف الأجسام ساكنة وشروط توازنها، وعلم الحركة أو «الكينماتيكا» وهو يهتم بوصف حركة الأجسام دون النظر إلى مسبباتها، وعلم التحريك أو «الديناميكا» الذي يدرس حركة الأجسام وماهية القوى المسببة لها. تقوم الميكانيكا الكلاسيكية بشكل أولي على افتراض أن الجسم المادي المراد دراسته يكون صلبًا وفي شكل نقطة (أي أن الأبعاد بين النقاط المكونة للجسم لا تتغير مع الزمن). وتتولى على صعيد آخر، الميكانيكا الاستمرارية وصف المادة المتصلة والمستمرة مثل الأجسام الصلبة والسائلة والغازية، وهي تنقسم بدورها إلى قسمين؛ ميكانيكا المواد الصلبة وميكانيكا الموائع. وتدرس ميكانيكا المواد الصلبة سلوك هذه الأجسام أمام عوامل عديدة مثل الضغط وتغير درجة الحرارة والتذبذب، وغيرها. فيما تدرس ميكانيكا الموائع فيزيائية السوائل والغازات، وهي تتناول مواضيع كثيرة منها توازن السوائل في الهيدروستاتيكا، وتدفقها في الهيدروديناميكا، وحركة الغازات وانتشارها إلى جانب تأثيرها على السطوح والأجسام المتحركة في الديناميكا الهوائية.
أحد المفاهيم الهامة في الميكانيكا الكلاسيكية هي مبادئ حفظ زخم الحركة والطاقة، وقد دفع هذا الأمر إلى إعادة الصياغة الرياضية لقوانين نيوتن للحركة في ميكانيكا لاجرانج وميكانيكا هاملتون باعتماد هذه المبدئ. وتقف الصياغتان الميكانيكية في وصف سلوك الأجسام على نفس المقدار من الدقة، ولكن بطريقة مستقلة عن منظومة القوى المسلطة عليها والتي تكون بعض الأحيان غير عملية في تشكيل معادلات الحركة.
تعطينا الميكانيكا الكلاسيكية نتائج وتنبوات رقمية ذات دقة عالية، تتماشى مع المشاهدة، وذلك بنسبة لأنظمة ذات أبعاد عادية وضمن مجال سرعات تقل بكثير عن سرعة الضوء. أما عندما تكون الأجسام موضع الدراسة جسيمات أولية أو أن سرعتها عالية، تكاد تقارب من سرعة الضوء، فهنا تحل محل الميكانيكا الكلاسيكية تباعا الميكانيكا الكمومية والميكانيكا النسبية. ومع ذلك تجد الميكانيكا الكلاسيكية مجالا لتطبيقها في وصف سلوك أنظمة دقيقة، فعلى سبيل المثال في النظرية الحركية للغازات وضغط الغاز تسري القوانين التي تحكم حركة أجسام ذات حجم العادي على الجزيئات المكونة للغازات وهو ما يُمَكن من استنتاج خصائص عيانية مثل درجة الحرارة والضغط والحجم. وفي أنظمة عالية التعقيد يمكن فيها لتغييرات طفيفة أن تنتج آثارًا كبيرة (مثل الغلاف الجوي أو مسألة الأجسام الثلاثة) تصير قدرة معادلات الميكانيكا الكلاسيكية على التنبئ محدودة. وتختص بدراسة هذه الأنظمة، التي توصف بأنها لاخطية، نظرية الشواش.
أوجدت قوانين الميكانيكا الكلاسيكية نظرة موحدة وشاملة لظواهر طبيعية قد تبدو ظاهريًا غير متصلة، مثل وقوع تفاحة من غصن شجرة أو دوران القمر حول الأرض. فعلى سبيل المثال؛ قوانين كيبلر لحركة الكواكب، أو السرعة التي يجب أن يبلغها صاروخ للتحرر من حقل الجاذبية الأرضية (سرعة الإفلات)، يمكن استنتاجهما رياضيًا من قانون نيوتن العام للجاذبية. وقد ساهمت هذه الفكرة ومفادها أن التوصل لقوانين كليّة يمكنها وصف الظواهر الكونية على اختلافها أمر ممكن، إلى بروز الميكانيكا الكلاسيكية كعنصر هام في الثورة العلمية وذلك خلال القرنين السابع والثامن عشر.
قوانين نيوتن في الحركة
تعد قوانين نيوتن في الحركة أحد أهم قوانين وأساس الميكانيكا الكلاسيكية، وهي عبارة عن ثلاثة قوانين وتربط هذه القوانين القوى المؤثرة على الجسم وحركته. وضعها إسحاق نيوتن ليصف حركة الأجسام والعديد من الظواهر الفيزيائية. يصف قانون نيوتن الأول على أنه إذا كانت القوة المحصلة (المجموع الاتجاهي للقوى المؤثرة على الجسم) تساوي صفر، فإن سرعة الجسم تكون ثابتة. تعتبر السرعة كمية متجهة حيث يتم التعبير عنها مقدارا وهي سرعة الجسم واتجاها وهو اتجاه حركة الجسم. عندما نقول أن سرعة الجسم ثابتة فإننا نعني أن كلا من المقدار والاتجاه ثابتين. ويمكن وصفه رياضيا:
الكهرومغناطيسية
تدرس الكهرومغناطيسية التأثيرات التي تتم بين الجسيمات المشحونة وبين المجالات الكهربائية والمجالات المغناطيسية. ويمكن تقسيم الكهرومفناطيسية إلى؛ كهرباء ساكنة أو «إلكتروستاتيكا» وهي تدرس الشحنات والمجالات الكهربائية الساكنة، و«إلكتروديناميكا» وهو يصف التفاعل بين الشحنات المتحركة والإشعاع الكهرومغناطيسي. ومع أن المعرفة بالكهرباء والمغناطيسية تطورت منذ القدم بشكل منفصل، فقد توصلت النظرية الكلاسيكية للكهرومغناطيسية، خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، إلى تحديد العلاقة بين الظاهرتين من خلال قانون لورنتز ومعادلات ماكسويل. فقد تمكن ماكسويل من خلال اشتقاقه لأربعة معادلات تفاضلية من وصف الموجات الكهرومغناطيسية وفهم الطبيعة الموجية للضوء.
تهتم الكهرباء الساكنة بدراسة الظواهر المرتبطة بالأجسام المشحونة في حالة السكون، والقوى التي توجهها على بعضها البعض كما يصفها قانون كولوم. ويمكن تحليل سلوك هذه الأجسام من تجاذب أو تنافر من خلال معرفة القطبية والمجال الكهربائي المحيط بها، حيث يكون متناسباً مع مقدار الشحنة والأبعاد التي تفصلها. للكهرباء الساكنة عدة تطبيقات، بدءاً من تحليل الظواهر الكهرومغناطيسية مثل العواصف الرعدية إلى المكثفات التي تستعمل الهندسة الكهربائية.
وعندما تتحرك الأجسام المشحونة كهربيًا في مجال كهرومغناطيسي فإنها تنتج مجالاً مغناطيسياً يحيط بها فتختص الديناميكا الكهربائية بوصف الأثار التي تنتج عن ذلك من مغناطيسية وإشعاع كهرومغناطيسي وحث كهرومغناطيسي. وتنطوي هذه المواضيع ضمن ما يعرف بالديناميكا الكهربائية الكلاسيكية، حيث تشرح معادلات ماكسويل هذه الظواهر بطريقة جيدة وعامة، وتؤدي هذه النظريات إلى تطبيقات مهمة ومنها المولدات الكهربائية والمحركات الكهربائية. وفي العشرينيات من القرن العشرين، ظهرت نظرية الديناميكا الكهربائية الكمومية وهي تتضمن قوانين ميكانيكا الكم، وتصف التفاعل بين الإشعاع الكهرومغناطيسي والمادة عن طريق تبادل الفوتونات. وهناك صياغة نسبية تقدم تصحيحات لحساب حركة الأجسام التي تسير بسرعات تقارب سرعة الضوء، والتي تظهر بشكل مباشر في معجلات الجسيمات والأنابيب الكهربائية التي تحمل فروق جهد وتيارات كهربائية عالية.
تعتبر القوى والظواهر الناجمة عن الكهرومغناطيسية من أكثر الأمور المحسوسة في حياتنا اليومية بعد تلك التي تسببها الجاذبية. فعلى سبيل المثال، الضوء عبارة عن موجة كهرومغناطيسية مرئية تشع من جسيمات مَشحونة ومُعَجلة، وتجد مبادئ الكهرومغناطيسية إلى يومنا هذا العديد من التطبيقات التقنية والطبية، وما الأجهزة الكهربائية مثل الراديو، والمرناة، والهاتف، والقطارات المغناطيسية المعلقة، والألياف البصرية، وأجهزة الليزر إلا بضع أمثلة عن هذه التطبيقات التي صنعت تقدمًا نوعيًا في تاريخ البشرية.
الديناميكا الحرارية والميكانيكا الإحصائية
نظام التحريك الحراري المثالي -تنتقل الحرارة من ساخنة (غلاية) إلى باردة (مكثّف)- وينتج عنها شغل.
تختص الديناميكا الحرارية أو «الثرموديناميك» بدراسة انتقال الطاقة وتحولها في النّظم الفيزيائية، والعلاقة بين الحرارة والشغل والضغط والحجم. تقدم الديناميكا الحرارية الكلاسيكية وصفا عيانيا لهذه الظواهر دون الخوض في التفاصيل مجهرية الكامنة ورائها. فيما تخوض الميكانيكا الإحصائية في تحليل السلوك المعقد للمكونات المجهرية (ذرات، جزيئات) وتستنج منها كَمِيًا الخصائص العيانية للنظام وذلك بواسطة طرق إحصائية. وضعت أسس الديناميكا الحرارية خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، وذلك نتيجة للحاجة الملحة في زيادة كفاءة المحركات البخارية.
يتأسس فهم ديناميكية الطاقة والمتغيرات في نظام معين على أربعة مبادئ أساسية تسمى قوانين الديناميكا الحرارية. وتعمل معادلات الحالة على تحديد العلاقة بين نوعين من متغيرات العيانية التي تعرف حالة الأنظمة؛ متغيرات الامتداد مثل الكتلة والحجم والحرارة، ومتغيرات الشدّة مثل الكثافة ودرجة الحرارة والضغط والكمون الكيميائي. ويمكن من خلال قياس هذه المتغيرات التعرف إلى حالة التوازن أو التحول التلقائي في النظام.
ينص القانون الأول للديناميكا الحرارية على مبدئ حفظ الطاقة، وذلك بأن التغير في الطاقة الداخلية لنظام مغلق وساكن، يساوي كمية الطاقة المتبادلة مع الوسط الخارجي على شكل حرارة أو عمل. فيما ينص القانون الثاني على أن الحرارة لا يمكنها المرور بطريقة تلقائية من جسم ذي درجة حرارة منخفضة إلى آخر ذي درجة حرارة مرتفعة بدون الإتيان بشغل. وذلك يعني أنه من غير الممكن الحصول على شغل دون أن تفقد منه كمية على شكل الحرارة. وتوصل لهذين القانونين الفيزيائي الفرنسي سادي كارنو في بداية القرن التاسع عشر. وفي سنة 1865، أدخل الفيزيائي الألماني رودلف کلاوزیوس دالة الاعتلاج، ومن خلالها يصاغ القانون الثاني على أن «التحول التلقائي في نظام معين لا يمكن أن يتحقق بدون أن ترتفع هذه القيمة فيه وفيما حوله». يُعبر الاعتلاج، من وجهة نظر عيانية، على عدم إمكانية تسخير كل الطاقة في نظام ما للقيام بعمل ميكانيكي. وتصفها الميكانيكا الإحصائية على أنها قياس لحالة الفوضى للمكونات المجهرية للنظام من ذرات وجزيئات.
تتكتسي الديناميكا الحرارية أهمية كبرى في العديد من المجالات؛ في الكيمياء والهندسة الكيميائية وعلم الأحياء وإنتاج الطاقة والتبريد. فعلى سبيل المثال، يمكن للديناميكا الحرارية تفسير الأسباب التي تجعل بعض التفاعلات الكيميائية تتم من تلقاء نفسها، فيما لا يمكن ذلك للبعض الآخر.
الفيزياء الحديثة
تهتم الفيزياء الكلاسيكية عمومًا بالمادة والطاقة على النطاق الطبيعي للمراقبة، بينما تهتم الكثير من أفرع الفيزياء الحديثة بسلوك المادة والطاقة في ظل الظروف القاسية أو على نطاق كبير جدًا أو صغير جدًا. على سبيل المثال، دراسات الفيزياء الذرية والنووية تهم على نطاق صغير يمكن من خلاله تحديد العناصر الكيميائية. فيزياء الجسيمات الأولية تكون على نطاق أصغر لأنها تهتم بأبسط وحدات المادة؛ يُعرف هذا الفرع من الفيزياء أيضًا باسم فيزياء الطاقة العالية بسبب الطاقات العالية للغاية اللازمة لإنتاج العديد من أنواع الجزيئات في مسرعات الجسيمات. على هذا المقياس، لم تعد المفاهيم العادية المنطقية للفضاء والوقت والمادة والطاقة صالحة.
تقدم نظريتان رئيسيتان للفيزياء الحديثة صورة مختلفة عن مفاهيم الفضاء والوقت والمادة عن تلك التي تقدمها الفيزياء الكلاسيكية. تقارب الميكانيكا الكلاسيكية الطبيعة باعتبارها مستمرة، في حين تهتم نظرية الكم بالطبيعة المنفصلة للعديد من الظواهر على المستوى الذري ودون الذري ومع الجوانب التكميلية للجزيئات والأمواج في وصف هذه الظواهر. تهتم نظرية النسبية بوصف الظواهر التي تحدث في إطار مرجعي يتحرك بالنسبة للمراقب؛ تتعلق نظرية النسبية الخاصة بالحركة في غياب حقول الجاذبية ونظرية النسبية العامة بالحركة وعلاقتها بالجاذبية. كلا نظرية الكم ونظرية النسبية تجد تطبيقات في جميع مجالات الفيزياء الحديثة.
النسبية
أحد أدق الاختبارات التي أجريت على نظرية النسبية العامة كانت من قبل المسبار الفضائي كاسيني-هايجنس، في 10 أكتوبر 2003: شعاع الراديو (باللون الأخضر) الذي أرسل من الأرض نحو المسبار وقع تأخيره، تحت تأثير الإنحناء الذي أحدثته جاذبية الشّمس في بنية الزمكان (باللون الأزرق)، وذلك بالمعدل الذي تنبأت به النظرية.
نظرية النسبية هي بنية رياضية أكثر عمومية من تلك التي تأسست عليها الميكانيكا الكلاسيكية، وتصف حركة الأجسام بسرعات تقارب سرعة الضوء، أو أنظمة ذات كُتلٍ هائلة، وتشتمل على شقين هما نظرية النسبية الخاصة ونظرية النسبية العامة.
اقترح نظرية النسبية الخاصة الفيزيائي الألماني ألبرت أينشتاين، سنة 1905، في ورقة بحثية شهيرة بعنوان «حول الديناميكا الكهربائية للأجسام المتحركة» بناء على المساهمات الهامة لهندريك لورنتس وهنري بوانكاريه. ويتطرق هذا المقال إلى أن نظرية النسبية الخاصة تجد حلا لعدم الاتساق بين معادلات ماكسويل والميكانيكا الكلاسيكية. وتقوم النظرية على مسلمتين هما؛ أن القوانين الفيزيائية لا تتغير بتغير الإطار المرجعي العطالي للنظم،(5) وأن سرعة الضوء في الفراغ هي مقدار ثابت وغير متصل بحركة مصدر الضوء أو بالمشاهد. الدمج بين هاتين المسلمتين يقود إلى افتراض علاقة بين أمرين منفصلين في الميكانيكا الكلاسيكية، وهما المكان والزمان ويجمع بينهما في بنية تسمى الزمكان.
إحدى التداعيات الهامة للنسبية الخاصة، والتي تبدو مخالفة للبديهة وإن كانت أثبتتها عدة تجارب، هي انعدام مكان أو زمان مطلق، أي منفصل عن الإطار المرجعي للمشاهد (ومن هنا يأتي مصطلح النسبية). وهذا يعني أن الكتلة والأبعاد والزمن تتغير بتغير سرعة الجسم، وذلك ملائمةً لثبات سرعة الضوء. قد تكون هذه الظواهر غير محسوسة بمجال السرعات في حياتنا اليومية وتبقى بذلك قوانين نيوتن سارية، ولكنها تصير ذات تأثير لا يستهان به عندما ترتفع السرعة وتقارب سرعة الضوء.
ومن أهم النتائج الأخرى مبدئ التكافئ بين المادة والطاقة، وهو أمر تعبر عنه بشكل بليغ أحد أشهر المعادلات الفيزيائية:
E = m c 2
حيث E هي الطاقة، و m هي الكتلة، و c هي سرعة الضوء في الفراغ (2 فوق سرعة الضوء تعني أن الطاقة تتناسب طرديًا مع مربع هذه السرعة). بعبارة أخرى تُنبئنا هذه الصيغة الرياضية أن لكل جسم ذي كتلةٍ طاقةٌ مرتبطة به، والعكس بالعكس.
النسبية العامة هي نظرية ذات طابع هندسي، توصل إليها ألبرت أينشتاين بشكل منفرد ونشرها في 15\1916، وذلك بأنه قام بتوحيد النسبية الخاصة وقانون نيوتن العام للجاذبية. تنص هذه النظرية على أن الجاذبية يمكن وصفها على أنها انحناء في بنية الزمكان تسببه الكتلة أو الطاقة. على الصعيد الرياضي، تتميز النسبية العامة عن غيرها من النظريات الحديثة التي تصف الجاذبية بأنها تستعمل معادلات أينشتاين للمجال لوصف محتوى الزمكان من مادة أو طاقة وأثر ذلك على انحنائه. وتعتمد في ذلك بشكل أساسي على موتر الإجهاد-الطاقة،(6) وهو كائن هندسي يصف عبر مكوناته عدة كميات فيزيائية مثل الكثافة، والتدفق، والطاقة، والزخم، والزمكان. ويمكن القول بطريقة مبسطة، أن موتر الإجهاد-الطاقة هو سبب وجود مجال تثاقلي في زمكان معين وذلك بشكل أعم من ما تفعله الكتلة وحدها في قانون نيوتن الكلاسيكي للجاذبية.
من أول المشاهدات التي أكدت على صحة نظرية النسبية العامة، هو تمكنها من احتساب أوج بدارية كوكب عطارد الشاذة، بدقة فشلت في تحقيقها المكانيكا الكلاسيكية. وفي سنة 1919، قام الفلكي الإنجليزي آرثر ستانلي إيدينجتون بمشاهدة انزياح ضوء النجوم القريبة من قرص الشمس خلال الكسوف، ليأكد تنبؤ النسبية العامة بانحناء الضوء تحت تأثير مجال تثاقلي تحدثه أجسام فائقة الكتلة. وفي وقت لاحق بدأت تتراءى العديد من التداعيات لهذه النظرية في علم الكون والتي أكدت بعضها المشاهدات، ولكنها لا تزال موضع جدال، ومنها تنبؤ حلول معادلات أينشتاين بالانفجار العظيم، وتوسع الكون، وطاقة الفراغ، والثقوب السوداء.
ميكانيكا الكم
تتعامل الميكانيكا الكمومية مع نظم ذات أحجام ذرية أو تحت الذرية؛ مثل الجزيئات والذرات والإلكترونات والبروتونات وغيرها من الجسيمات الأولية. وقد أدت بعض الصعوبات التي واجهت الميكانيكا الكلاسيكية في أواخر القرن التاسع عشر، مثل إشكالية إشعاع الجسم الأسود واستقرار الإلكترونات على مداراتها، إلى التفكير بأن جميع أشكال الطاقة تتنقل على شكل حزم متقطعة غير قابلة للتجزئة، وتسمى كُمُومَات أو «كوانتوم». وقد قام بتشكيل هذا المفهوم، الفيزيائي الألماني ماكس بلانك سنة 1900، وقدم من خلاله ألبرت أينشتاين تفسيرًا للتأثير الكهروضوئي والذي يتبين من خلاله بأن الموجات الكهرومغناطيسية تتصرف في بعض الأحيان بطريقة تشبه تصرف الجسيمات.
وضعت مبادئ الميكانيكا الكمومية خلال العشرينات من القرن الماضي، من قبل مجموعة متميزة من الفيزيائيين. في سنة 1924، توصل لويس دي بروليه إلى إدراك أن الأجسام أيضا يمكنها أن تتصرف على أنها موجات، وهو ما يعبر عنه بمثنوية الموجة والجسيم. وقدمت على خلفية ذلك صياغتان رياضيتان مختلفتان وهما؛ الميكانيكا الموجية التي وضعها إرفين شرودنغر وهي تنطوي على استخدام كائن رياضي يسمى دالة الموجة، يصف احتمال وجود جسيم في بقعة ما من الفضاء وميكانيكا المصفوفات التي أنشأها فيرنر هايزنبرغ وماكس بورن، وهي تصف الجسيمات على أنها مصفوفات تتغير مع الزمن. ومع أن هذه الأخيرة لا تشير إلى دالة موجة أو مفاهيم مماثلة، إلا أنها تتوافق مع معادلة شرودنغر ومع الملاحظات التجريبية. وقد شكل مبدأ عدم اليقين الذي صاغه هايزنبرغ في سنة 1927 أحد أهم مبادئ الميكانيكا الكمومية، وهو ينص على محدودية قدرتنا في قياس خاصيتين معينتين لجسيم ما في نفس الوقت وبدرجة عالية من الدّقة. ويضع هذا حدًا لمبدأ الحتمية المطلقة الذي يشير إلى إمكانية التنبؤ بشكل دقيق بحالة نظام انطلاقا من حالته السابقة، حيث أن الظواهر الكمومية لا يمكن تفسيرها إلا بطريقة احتمالية. وقد أدى هذا الأمر إلى جدال علمي كبير دار بين أعظم فيزيائيي القرن العشرين، بما فيهم ألبرت أينشتاين الذي عارض هذا التفسير الاحتمالي بالرغم من إسهاماته الهامة في تأسيس الميكانيكا الكمومية.(7)
معادلة شرودنغر والتي هي عبارة عن معادلة تفاضلية جزئية تصف كيفية تغير الحالة الكمية لنظام فيزيائي مع الزمن، وقد صاغها عالم الفيزياء النمساوي إرفين شرودنغر في أواخر عام 1925 ونشرها عام 1926. تصف هذه المعادلة حالات النظم الكمومية المعتمدة على الزمن.
وفي سنة 1928، قام الفيزيائي البريطاني بول ديراك بوضع الميكانيكا الكمومية بصيغتيها الموجية والخطية (المصفوفات) ضمن صياغة أشمل في إطار نظرية النسبية الخاصة. وقد تنبأت صياغته بوجود الجسيمات المضادة. وتم تأكيد هذا الأمر تجريبيا سنة 1932، باكتشاف مضاد الإلكترون أو البوزيترون.
لاقت للميكانيكا الكمومية نجاحًا كبيرًا في تفسير العديد من الظواهر مثل الليزر وشبه الموصلات، وقد نجمت عنها تطبيقات تقنية مهمة، على غرار الصمام الثنائي والترانزستور، التي تعتبر حجر الأساس في الإكترونيات الحديثة. وفي الكيمياء، يعتمد جزء كبير من فهم ديناميكا وبنية الجزيئات، والطريقة التي تتفاعل بها، وتكوين الروابط الكيميائية على دالة الموجة. كما تعتمد الكيمياء الحاسوبية على النظريات الكمومية في أدائها الرياضاتي، لتحليل ومحاكات نتائج التجارب الكيميائية. أما في علم الأحياء، فقد تمكنت الميكانيكا الكمومية من تفسير الآلية التي يحدث بها تحويل الطاقة خلال التمثيل الضوئي في النباتات وبعض صنوف البكتيريا، وكذلك عملية الإبصار لدى الحيوانات. ويعمل الباحثون في الوقت الحاضر على العديد من التطبيقات الأخرى المستقبلية في المعلوماتية، مثل الترميز الكمومي والحاسوب الكمومي.
العلاقة مع المجالات الأخرى
الفرق بين الرياضيات والفيزياء واضح تمامًا، لكنه ليس واضحًا دائمًا، خاصة في الفيزياء الرياضية.
الحقول الأساسية
توفر الرياضيات لغة مدمجة ودقيقة تستخدم لوصف الترتيب في الطبيعة. لوحظ هذا ودافع عنه فيثاغورس، أفلاطون،(8) غاليليو،(9) ونيوتن.
تستخدم الفيزياء الرياضيات لتنظيم وصياغة النتائج التجريبية. من هذه النتائج، يتم الحصول على حلول دقيقة أو مقدرة، لنتائج كمية يمكن من خلالها التنبؤات الجديدة وتأكيدها أو إنكارها تجريبياً. النتائج من تجارب الفيزياء هي بيانات رقمية، مع وحدات القياس وتقديرات الأخطاء في القياسات. جعلت التقنيات القائمة على الرياضيات، مثل الحوسبة، الفيزياء الحاسوبية مجالًا نشطًا للبحث.
علم الوجود هو شرط أساسي للفيزياء، ولكن ليس للرياضيات. وهذا يعني أن الفيزياء تهتم في النهاية بتوصيفات العالم الواقعي، بينما تهتم الرياضيات بأنماط مجردة، حتى خارج العالم الحقيقي. وهكذا تكون البيانات الفيزيائية تركيبية، بينما تكون البيانات الرياضية تحليلية. تحتوي الرياضيات على فرضيات، بينما تحتوي الفيزياء على نظريات. يجب أن تكون عبارات الرياضيات صحيحة منطقيا فقط، في حين أن تنبؤات بيانات الفيزياء يجب أن تتطابق مع البيانات الملاحظة والتجريبية.
التمييز واضح، لكن ليس دائمًا واضح. على سبيل المثال، الفيزياء الرياضية هي تطبيق الرياضيات في الفيزياء. طرقها رياضية، ولكن موضوعها مادي.(10) تبدأ المشكلات في هذا الحقل ب«نموذج رياضي للحالة المادية» (نظام) و«وصف رياضي لقانون مادي» سيتم تطبيقه على هذا النظام. كل عبارة رياضية تستخدم للحل لها معنى مادي يصعب العثور عليه. الحل الرياضي النهائي له معنى يسهل العثور عليه، لأنه ما يبحث عنه المحلل.
الفيزياء هي فرع من العلوم الأساسية، وليس العلوم التطبيقية. تسمى الفيزياء أيضًا «العلم الأساسي» لأن موضوع دراسة جميع فروع العلوم الطبيعية مثل الكيمياء وعلم الفلك والجيولوجيا والبيولوجيا مقيدة بقوانين الفيزياء، على غرار كيفية تسمية الكيمياء في كثير من الأحيان بالعلم المركزي بسبب دورها في ربط العلوم الفيزيائية. على سبيل المثال، تدرس الكيمياء خواص المادة وهياكلها وردود أفعالها (تركيز الكيمياء على المقياس الذري يميزها عن الفيزياء). تتشكل الهياكل لأن الجزيئات تمارس قوى كهربائية على بعضها البعض، وتشمل الخصائص الفيزيائية لمواد معينة، وتكون التفاعلات ملزمة بقوانين الفيزياء، مثل الحفاظ على الطاقة والكتلة والشحنة.
التطبيق والتأثير
تعتبر الفيزياء التطبيقية مصطلحًا عامًا لأبحاث الفيزياء وهو مخصص لاستخدام معين. يحتوي منهج الفيزياء التطبيقية عادةً على عدد قليل من الفصول في تخصص تطبيقي، مثل الجيولوجيا أو الهندسة الكهربائية. عادة ما يختلف عن الهندسة في أن الفيزيائي التطبيقي قد لا يصمم شيئًا خاصًا، بل يستخدم الفيزياء أو إجراء أبحاث الفيزياء بهدف تطوير تكنولوجيات جديدة أو حل مشكلة.
النهج مماثل لنهج الرياضيات التطبيقية. يستخدم علماء الفيزياء التطبيقية الفيزياء في البحث العلمي. على سبيل المثال، قد يسعى الأشخاص الذين يعملون في فيزياء المسرعات إلى بناء أجهزة الكشف عن الجسيمات بشكل أفضل للبحث في الفيزياء النظرية.
تستخدم الفيزياء بكثافة في الهندسة. على سبيل المثال، يتم استخدام علم السكون، وهو حقل فرعي من الميكانيكا، في بناء الجسور والهياكل الثابتة الأخرى. يؤدي فهم الصوتيات واستخدامها إلى التحكم في الصوت وقاعات الحفلات الموسيقية بشكل أفضل؛ وبالمثل، فإن استخدام البصريات يخلق أجهزة بصرية أفضل. إن فهم الفيزياء يجعل أجهزة محاكاة الطيران أكثر واقعية وألعاب الفيديو والأفلام، وغالبًا ما يكون حاسمًا في التحقيقات الجنائية.
مع الإجماع القياسي على أن قوانين الفيزياء عالمية ولا تتغير مع مرور الوقت، يمكن استخدام الفيزياء لدراسة الأشياء التي عادة ما تكون غارقة في عدم اليقين. على سبيل المثال، في دراسة أصل الأرض، يمكن للمرء أن يصور بشكل معقول كتلة الأرض ودرجة الحرارة ومعدل الدوران، كدالة من الزمن تسمح للشخص باستقراء للأمام أو للخلف في الوقت المناسب وبالتالي توقع الأحداث المستقبلية أو السابقة. كما يسمح بإجراء عمليات محاكاة في الهندسة والتي تسرع بشكل كبير من تطوير تقنية جديدة.